الحاجة إلى الشريعة في البلدان الإسلامية

تأسست الحضارة الإسلامية من الناحية النظرية - منذ عهد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) حتى الآن - على مبدأ "سيادة الشريعة الإلهية". وبالرغم من أن الملوك والخلفاء عبر التاريخ الإسلامي تعارضوا مع سيادة هذا القانون استنادءًا إلى الجوانب العلمانية مثل العنصرية، والقومية، والقبلية إلا أن المفهوم لا يزال قائمًا في القانون الإسلامي أو الشريعة الإسلامية. وحتى اليوم لا تزال الدول الإسلامية مثل ماليزيا، وإندونيسيا، وبنجلاديش، والكثير غيرها تتعارض مع هذه الفلسفة وحقيقة الشريعة الإلهية.
الشريعة هي القانون الإسلامي - التخصصات والمبادئ التي تحكم سلوك الفرد المسلم تجاه نفسه، وأسرته، وجيرانه، ومجتمعه، ومدينته، وأمته، ونظام الحكم السياسي ككل، والأمة، وجميع الخاضعين للولاية الإسلامية. وبالمثل، تحكم الشريعة التعاملات بين المجتمعات، والجماعات، والمنظمات الاجتماعية والاقتصادية. وتحدد الشريعة المعايير التي يتم بموجبها تبويب جميع الإجراءات الاجتماعية، وتصنيفها، وإدارتها ضمن إطار الحكم العام للدولة. وتحدد الشريعة أولاً الأنماط التي يجب على المؤمنين اتباعها في عبادة الله: الصلوات، والإحسان، والصيام، والحج. يتمتع القانون الإسلامي بالنظرة الشاملة للحياة. كما لو أن المرء ينظر من قمر صناعي إلى هذا الكوكب، فإن الشريعة تتصور الأرض وكأنها "مدينة" واحدة بها سكان مختلفون - بلغات حديثة، "قرية عالمية". حيث ينظر الإسلام إلى مصلحة المجتمع من منظور عام ويقدم النموذج النظري الذي لو يتم اتباعه يوفر السلامة والحماية للمجتمع. لذا فإن الشريعة تعني حرفيًا "الطريق الممهد إلى الماء"، مصدر كل أشكال الحياة، معبرة عن الطريق إلى الله، كما منحه الله، خالق كل أشكال الحياة.
تهدف قوانين الشريعة الإسلامية إلى حماية خمسة مصالح إنسانية أساسية: الدين، والحياة، والنسب، والملكية، والفكر. وهذه المصالح الأساسية معترف بها عالميًا بين جميع الدول الأخرى بالرغم من تنوع الأمم في نهجها للقيام بذلك. فعلى الأرض لا يمكن أن يكون هناك سوى نظام واحد يحدد أفضل الطرق لحماية هذه المصالح. ويمكن أن يُطلق على هذا النظام اسم الدستور، والبرلمان، والجهاز القانوني بأكمله. ففي الدولة أو الجمهورية الإسلامية، النظام هو قوانين الشريعة الإسلامية. وقوانين الشريعة لها جانبان: الجانب الروحي والجانب العملي. ولتوضيح هذين النوعين ، تشتمل قوانين الشريعة الإسلامية على الفئات الأساسية التالية: الآداب (السلوك، والأخلاق، والآداب)، والعبادات (العبادة الشعائرية)، والعقائد (المعتقدات)، والمعاملات (المعاملات والعقود)، والعقوبات (العقوبات). أما الجانب الروحي فيُعد جوهريًا العقيدة والعبادة الإسلامية اللتان يجب على المسلمين الالتزام بهما (العبادة والاعتقاد). إلا أن الجانب العملي يفوق الجميع الخاضعين للولاية الإسلامية. حيث يثبت القرآن 2: 256 والقرآن 5: 44/45 التأكيدين.
بالرغم من أن الأشخاص لن يؤمنوا بالقانون العملي للإسلام، إلا أن الحكم به ليس مستحيلاً. ففي الدولة العلمانية، ليس بالضرورة أن يؤمن الأشخاص أو يوافقوا على جميع القوانين، لكن عليهم أن يطيعوها كجزء من الخضوع للولاية القضائية. وأي محاولة لتغيير النظام بطريقة إجرامية يمكن أن توصف على أنها خيانة أو جريمة.
إن قوانين الشريعة مبنية على الرحمة والعدالة. ويثبت القرآن 21: 107 و 16:91 وكذلك أقوال وأفعال النبي (ص) وسلالته الكرام هاتين النقطتين. فالشريعة في الواقع تعرف وتحدد معنى المصطلحين "الرحمة والعدالة" بصرف النظر عما هو فطري ومتصور بشكل طبيعي. ويتفق جميع المسلمين على أن مصادر قوانين الشريعة الإسلامية هي القرآن وسنة النبي (ص). ويوافق جميع المسلمين أيضًا على الانتشار الزمني للقانون القرآني.
لكن التصور الغربي للأخلاق وبالتالي القانون معقد ومتضارب. إنه نتيجة لمجموعة واسعة من الحريات التي تمارس في مجتمعاتهم والتي تستنبط مفهومًا باتجاه التكنولوجيا والذوق أكثر. وما هو مقدس اليوم يمكن أن يكون غير مقدس غدًا. فعلى سبيل المثال، العُري الجزئي هو موضوع نزاع في المجتمع الغربي، إلا إننا نشهد حركة جماعات العراة يقترحون عريًا كاملاً. فالأخلاق الغربية هي نتيجة لهذا الصراع الدارويني. فنحن لا نعرف أبدًا ماذا ستكون نهاية الأخلاق الغربية طالما نحن كأجناس بشرية وطالما ممارسو الأخلاق يفترضون أن يستمر مفهوم الخير والشر والصح والخطأ قائمًا في حضارتهم. وبالنسبة للمسلمين، يتم المحافظة على البنية الأخلاقية الثابتة عن طريق قوانين الشريعة ولا يمكن أن يضمن ذلك إلا الحكومة الإسلامية. فإذا لم يكن الإسلام موجودًا في حكومة الأمة الإسلامية، فسيضيع الإسلام تدريجياً حتى من عقول أتباعه حيث إن الكثير من الانحرافات ستلقي بظلالها على المعتقد الإلهي.
ليس للحكومة الإسلامية وقوانين الشريعة الإسلامية الكثير من الأمثلة باستثناء جمهورية إيران الإسلامية والمملكة العربية السعودية جزئيًا في الأزمنة المعاصرة. والسبب في ذلك هو
الاستعمار وإرثه. حيث دعمت الحكومات الغربية المستبدين في الدول الإسلامية للعودة إلى عهد الاستعمار. ولم يحترموا أبدًا تطلعات وطموحات الحكم الذاتي للمسلمين، وآخر مثال على ذلك هو الانقلاب على الرئيس مرسي. وقد خلق هذا معاناة جماعية للمسلمين في وجودهم مما أدى إلى تحطيم البنية الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والفكرية. حتى أن إيران تخضع لعقوبات وهجمات مستمرة. ويعتمد التطور السياسي والقانوني ونضجه في الدولة على الاستقرار وعدم التدخل من قبل القوى الأجنبية. أما بالنسبة للدول غير الإسلامية الأخرى ذات الأغلبية المسلمة مثل المملكات والديمقراطيات الملكية، فإن المسلمين هناك يحتاجون إلى قيادة سياسية لتنظيم مواردهم والاستفادة من الإمكانات الكاملة للحكم الإسلامي وقوانين الشريعة الإسلامية التي أعاقها فساد الملوك والساسة العلمانيون. لذا ينبغي أن تشارك مثل هذه القيادة السياسية في تعزيز الالتزام الإسلامي للمسلمين، وإقناع المجتمع والوجود
الإسلامي المنكوب بالفعل ليتبني روح وقيم القرآن الكريم والنبي (ص).
لا تتمحور فلسفة الإسلام السياسية والقانونية حول القومية أو العنصرية. بل تتركز حول مفهوم الأمة: مجتمع المؤمنين. وهذا يتجاوز الثقافة، والجنس، والعرق. وهذا هو عامل الوحدة القوي الذي يخشاه الغرب. وفي هذا الوجود السياسي والقانوني المتعدد الثقافات، والمتعدد الأعراق، والمتعدد الأجناس يسود حكم القانون العادل حيث لا تكون القبائل مفضلة، أو لا تفضل أجناس، أو حتى لا يفضل المرافقين من العائلة. ويعتمد هذا الكيان السياسي على الجدارة والتقوى. والتقوى والمزايا هما المعياران اللذان بهما يتم تحديد المناصب.
في أي مجتمع من المجتمعات، ستكون هناك دائمًا ثقافة، ونظام، وإرادة متسلطة. لا يوجد شيء مثل التعددية الثقافية المطلقة حيث تحصل كل ثقافة من الثقافات على حصة متساوية من الوجود والسلطة.
اسمحوا لي أن أوضح هذا فيما يتعلق بالعلمانية. في أي دولة علمانية مثل المملكة المتحدة، يجب أن يتمتع أي سياسي مسلم بعقلية علمانية سواء كان ذلك الوزير جافيد أو عمدة لندن صادق Sadiq. ولا يوجد مكان للدين في هذا النظام العلماني، ولا الشيوعية. ولا يجب أن يتعارض نظام معتقداتك أو يعترض طريق المؤسسة، لكن ربما يُسمح لك بأداء الصلاة في مكتبك.
وإنه نفس الشيء بالنسبة للصين الشيوعية حيث يجب أن تترك الله في المنزل حتى أنه لا يُسمح لك بأداء شعائر الدين في المكتب. ومع ذلك، في أمريكا يحكم المسيحيون الإنجيليون بشكل كبير بالكتاب المقدس، إلا أنه يجب على المسلمين أيضًا أن يتركوا الإسلام في المنزل في هذه الأرض التي تدعي الحرية. وفي فلسطين المحتلة من قبل الصهيونية نفس الحال مع اليهود. وفي الهند الهندوسية نفس الحالة. نعم، لا يمكن للأقلية في كل هذه الأنظمة أن تعمل سياسياً إلا لصالح شعبها الخاص بدرجات متفاوتة محكومة والتي لا يجب بأي حال من الأحوال أن تغير النظام أو تعترض قانون السلطة التي تدعى البرلمان / الدستور.
إن وجود النظام المستبد لا يعني بالضرورة التمييز أو اضطهاد الأقليات. فإن اضطرت الأقلية كعضو في البرلمان إلى الاطلاع على الشريعة الإسلامية والفقه فيما يتعلق بالأعمال، أو الاقتصاد، أو الجرائم على سبيل المثال فهذا لا ينتهك حقوقه أو حقوقها أو أنه لا يميزهم بأي شكل من الأشكال. ولإقرار القوانين وفهم النظام القانوني للأمة - وهو الإسلامي في هذه الحالة - يجب على المرء أن يلتزم بآدابه ومصادره. فإن اضطرت الأقلية – شاملة في ذلك الأغلبية على سبيل المثال - إلى التوقف عن التدخين / الشرب في الأماكن العامة كجزء من الأدب (القانون الأخلاقي)، فهذا لا ينتهك حقوق أي فئة أو يميز أي شخص.
تُعد بعض القوانين الجنائية الإسلامية قاسية مع مستوى عالٍ من الإثبات المطلوب وهذا هو الشيء الدقيق اللازم لترويض وحشية وقسوة الطبيعة البشرية. فإذا كانت الطبيعة البشرية تتمتع بقدر ضئيل من الهمجية في ذلك، فلن نحتاج إلى هذه القوانين القاسية والصارمة لأننا لن نرى سلسلة السفاحين، أو المعذبين، أو المغتصبين، أو مجانين الإبادة الجماعية، أو أننا لن نرى محرقة، أو إبادة جماعية، أو جرائم ضد الإنسانية، أي الفظائع الجماعية بمختلف أشكالها وفئاتها. ويمكن للشريعة الإسلامية أن تحتوي وستحتوي الجانب الأكثر قسوة في الطبيعة البشرية.
القوانين الإسلامية / الشريعة الإسلامية هي أيضًا من أنصار دولة الرفاهية حيث سيتم إيقاف الشركات الرأسمالية القائمة على الصناعة المصرفية الخادعة وإعادة تشكيلها بمخطط اقتصادي بلا فوائد. وسيتم توزيع الثروة بشكل صحيح ولن تظل مقتصرة على الأغنياء فقط. حيث يؤسس القرآن 59: 7 والقرآن 4:37 لهذا. ولتحقيق ذلك بشكل فعال وعالمي يجب إضعاف هيمنة الدولار وحتى تفكيكه بالكامل.
لقد تم استخدام مسألة الحرية بشكل مبالغ فيه لتشويه قوانين الشريعة الإسلامية. حيث قضى الاستعمار الغربي على الثقافات والمعتقدات على مستوى العالم وناشرًا الفلسفة الغربية ووجهات النظر العالمية بأن يعتقد الاشخاص أن هذا هو المعيار الوحيد للحرية والحياة. ولا يمكن أن تكون الحرية مدمرة بل يجب أن تكون عقلانية. لذا تُعد العلمانية الليبرالية أسوأ ما حدث للبشرية. فهذه فكرة الفردية الإنسانية حيث يكون الإنسان هو مركز لعالمه الخاص. وهي بمثابة رخصة للانتهاكات البشرية.
مهما كان الصواب والخطأ الذي رافق الإنسان بالفعل، فقد كان بسبب التطور الاجتماعي البشري من خلال توجيه الأديان. وحتى هذا يتلاشى في أخلاق فرانكشتاين التي وضعتها العلمانية الليبرالية. فالمجتمع الذي لا يرتبط بالله ولا يعلم السلطة الأعلى مُعد للهلاك أخلاقياً، وديموجرافياً، واجتماعياً. حيث لا ترتكز الحرية الإسلامية على مذهب المتعة بلا رادع، وإنما تقوم على المسؤولية والعقلانية. فالحرية الإسلامية مبنية على الواجب والمسؤولية، والمصلحة الجماعية والاستقرار الاجتماعي.
مثال بسيط للنزعة الاستهلاكية سيفعل ذلك. حيث يُعد الاستهلاك نظامًا اجتماعيًا واقتصاديًا يشجع على شراء السلع والخدمات بكميات متزايدة بشكل مستمر. وهذا - بكل بساطة - ضد التنمية المستدامة. حيث تزدهر الهيمنة الرأسمالية المدعومة من العلمانية الليبرالية بهذا. فأولئك الذين لديهم السبق التكنولوجي قد استغلوا العلاقات الدولية ليكون لهم اليد العليا في الاقتصاد العالمي الاستهلاكي على حساب البيئة، وحقوق الإنسان، والأخلاق. لذا فإن الوجود العلماني البشري المنغمس في مذهب المتعة المادية يُعد بالتالي تدميرًا ذاتيًا للجوهر لاغيًا التعاطف والتواضع.
بالتالي يمكن تلخيص قوانين الشريعة لتحقيق الأهداف التالية:
- المقاومة ضد الطغيان، والاضطهاد، والاستغلال
- المساواة والأمانة في الاقتصاد
- الأخلاق والإحسان
- الدفاع عن الشرف، والممتلكات، والأرواح
- التواضع والرحمة
لا يمكن أن يكون جهل الغرب بالإسلام مبررًا في أن تتخلي الدول الإسلامية عن قوانين الشريعة الإسلامية. ففي الواقع، كانت الحكومات الغربية تتجاهل عن عمد ميثاق الأمم المتحدة للسلام والقانون الدولي لخدمة غزواتها الإمبريالية. ولا يمكننا أن نتوقع فهمًا صادقًا من هؤلاء المجرمين ولا ينبغي علينا أن نأمل في ذلك.
لقد ناقش هذا البحث القصير طبيعة قوانين الشريعة والعقلانية من وراء اختصاصها ونشاطها في الدول الإسلامية.